ولدت هذه القديسة فى مدينه خلقيدونية الشهيرة بين مدن المملكة الرومانية وكان هذا فى أواخر القرن الثالث الميلادي، من والدين شريفين، ونالت قسطا وافرا من التربية المسيحية وكان والدها نيلوفرونس من أشراف المملكة وأغنياءها وكان قد تولى الحكم مرارا، أما أمها ثيؤدورا فكانت من أفضل النساء المسيحيات وأكرمهن على الفقراء والمساكين فنشأت أوفيميا فى تلك البيئة المقدسة وقضت حداثتها تحت رعاية والديها تنعم بعطفهما عليها وتنمو يوما فيوما في الفضيلة، وكانت تلك الفتاة تشرب كؤوس الفضيلة من ينابيع فياضة وكان دائما اتكالها على الله وعلى والديها غير حاسبة لظروف الدهر حسابا .
نشأت هذه القديسة فى هذا الجو الروحي المشبع والمثمر حتى أصبحت موضع إعجاب الجميع بفضائلها وأدبها وتقواها ونسبها وجمالها الروحي والجسدي وتلك السيرة الملائكية التى كان يشهد لها الجميع بها .
ولما شبت نيران الاضطهاد فى أيام دقلديانوس على المسيحيين فى جميع أنحاء المملكة، كانت القديسة أوفيميا أصبحت شابة مكملة بالعقل والتقوى والكمال المسيحي، وكانت قد اشتهرت بين أشراف المدينة برزانة عقلها واتزانها واهتمامها بالفقراء والمساكين وحبها المتفاني لخدمة الأرامل والأيتام حتى صارت مشهورة ولم تخف فضائلها على أحد من أهل المدينة، فلم يتركها الشيطان تنعم بما اختارته لنفسها لأنه دائما يقاوم كل خير يفعله الإنسان لأنه عدو كل بر، فأوغر قلب برسكس الوالي فقبض عليها وساقها إلى قصره وسعي لإجبارها على الكفر بإيمانها، وبذلك يكون هدم ركن من أركان المسيحيين فى المدينة ويكون قد انتصر عليهم، وفكر أن يهدم هذا السور طوبة طوبة ، ولما مثلت القديسة اوفيميا أمام الوالي برسكس ورأي ذلك الجمال الرائع والشباب النضر والحشمة الساحرة، مال إليها بكل جوارحه وأخذ يتملقها ويثنى علي أدبها ويبالغ فى ملاطفتها ظناً منه أن تلك الحمامة الوديعة يمكن أن تقع فى شباكه.
لكن سهامه تحطمت على تلك الصخرة الصلبة لأن قلب تلك الفتاة قد نال القوة من الرب يسوع لذلك لبثت ثابتة لا تتزعزع، فلما رأى الوالي أن تلك الفتاة تسخر منه وتصمد أمام إغراءته ثار عليها وصب جم غضبه فى معاملاتها، فنظرت إليه القديسة وقالت: "إنني حقا آنية ضعيفة ولكن كن على ثقة فأنى لن أنساق إلى أساليبك وحيلك ولا أهاب غضبك، وأنا واثقة أن ربي وإلهي يسوع المسيح معي وينقذني من شرورك."، فغضب الوالي وفكر في أن ينتقم منها فأخذ يتفنن فى تعذيبها، لكن الرب يسوع وقف مع القديسة وصار كأنه يتحدى وحشية هذا الوالي بشتي المعجزات، فكلما تفنن الوالي فى تعذيب القديسة كان ملاك الرب يسرع يأتى إليها وينقذها ويعيد إليها نضارتها ويحفظها سالمة، فحار الوالي في أمره أمام هذه الفتاة وكاد أن يقتل نفسه، فعلقها على دواليب من حديد مسننة ليكسر عظامها ويمزق جسدها ولكنها خرجت سالمة وشفيت من جروحها فى الحال، فألقاها فى نار متقدة فالتهمت النار الجنود الذين ألقوا بها بينما خرجت هى سالمة لم يصبها أذى، بل أن اثنين من الجنود لما رأوا ذلك آمنا بالسيد المسيح وهما فكتور وستسيس . فأمر الوالي أن يطرحا للوحوش وهكذا نالا إكليل الشهادة. وكف الوالي عن تعذيبها وأرسلها إلى السجن فقضت الليل كله فى التسبيح والتمجيد لرب المجد وطلبت مساعدته فى الحروب الجديدة التى يضمر الوالي أن يشنها عليها.
فلما كان الغد أمر الوالي بإحضارها أمامه عسي أن تكون قد تعبت من الآلام ورضخت لأوامره، فأحضرها الجنود فجاءت تركض فرحة مستبشرة بقرب عبورها هذا الجسر الثاني وصعودها إلى الأخدار السماوية لتتمتع بعريسها الرب يسوع وتعيش معه إلى الأبد، وكان وجهها مشرقا كأن نوراً سماوياً زاد من جمالها، فأعجب الوالي ببهائها وقال لها برفق: "حرام عليك أن تعرضي شبابك للعذابات الأليمة وأنت فى مقتبل العمر، أشفقي علي نفسك لئلا تهلكي بسبب عصيانك وعنادك وعدم طاعتك، اتركي هذا الجنون ولا تغضبي الآلهة والملوك الأعزاء." فأجابته القديسة بثبات وثقة: "هل من الحكمة أن أنقاد إلى هذا الكلام الباطل؟ ألا يكون بالأحرى جنون منى أن أسجد لحجارة صماء هى من صنع البشر، إن الحكمة تقضى بألا أسجد إلا للإله الحقيقي الرب يسوع خالق السماء والأرض، وأنني أبغض أصنامك الشيطانية".
فغضب الوالي وعاد ليتفنن فى تعذيبها، ولكن الرب يسوع كان يصد السهام الشريرة عنها، فعلقها الوالي مرة أخرى على الدواليب المسننة فلم تؤذيها، فطرحها فى بركه ممتلئة بالكلاب البحرية الضاربة فلم تمسسها سوء، فإن كان الله معنا فمن علينا.
وظن الوالي أنها تنجو من عذاباته بواسطة سحرها، فأمر بحفر حفرة عميقة وملئها بأنواع من الحدائد وقطع الخزف المكسور وغطاها بقليل من التراب ثم أمر العذراء أن تمشي عليها دون أن يعلمها بالخطر الموجود معتقدا أنها ستسقط فيها وتموت قبل أن تبدأ فى استخدام تعويذها السحرية فمرت القديسة عليها فلم تسقط فمر بعض الوثنين فى أثرها فسقطوا وهلكوا.
حار الوالي فى أمرها فأمر بأن تطرح للوحوش الضارية لتفترسها. فرفعت القديسة عيناها إلى السماء وبدأت تصلي قائلة: "ياربي يسوع المسيح يا ملك الملوك ورب الأرباب لقد أنقذتني حتى الآن من كل الأخطار المحيطة بي وكل الآلامات التى تألمتها وسلمت جسدي من الأذى وشفيتني من جراحاتي الكثيرة لكي تخزى الشيطان وكل أتباعه من عبدة الأوثان، فأظهر الآن رأفتك نحو أمتك وتقبل نفسي وروحي ذبيحة حب كما أحببتني وبذلت نفسك لأجلى، أخرج يارب من الحبس نفسي واصعدها إلى علو مجدك لتسبحك مع كافه ملائكتك القديسين لتنضم إلى طغمات الشهداء الذين سفكوا دمائهم من أجل اسمك القدوس. ولما أنزلوها إلى الوحوش أقبلت إليها الوحوش تقبل قدميها فجثت علي ركبتيها وبدأت تصلي، فهجم عليها دب وافترسها وأسلمت روحها الطاهرة في يد فاديها وحملتها الملائكة إلى الأخدار السمائية.
وما كادت هذه العذراء العفيفة تبرح هذا العالم الفاني حتى حدثت هزة أرضية فى المدينة هلعت لها كل القلوب من الخوف وهلعوا يتراكضون إلى الحقول لينجو كل واحد بنفسه، فأنتهز أقارب القديسة أوفيميا هذه الفرصة وحملوا جسدها ودفنوه بإكرام جزيل سنه 303م.
ولما جلس الملك قسطنطين الملك البار على عرش المملكة. شيد المسيحيين كنيسة فى مدينة خلقيدونية على اسم القديسة اوفيميا وأصبحت هذه الكنيسة من أعظم كنائس الشرق وأضخمها، وبقيت هذه الكنيسة وجسد القديسة ينبوعا فائضا بالعجائب، ويذكر التاريخ أن جسد هذه القديسة بقى سنين عديدة يرشح دما، وكان الآباء الأساقفة يجمعونه فى إسفنج ويوزعونه على المؤمنين فيشفى الأمراض، وأن الملك ثيؤدوسيوس نفسه لما سمع بذلك الدم شك فى الأمر وأتى بنفسه إلى هذه الكنيسة ليتأكد من الحقيقة فرأى وآمن، وفى عهد الملك قسطنطين تم نقل جسد القديسة إلى القسطنطينية خوفا من تدمير جنود الفرس للمدينة.
بركة القديسة أوفيميا تكون معنا ولإلهنا المجد الدائم إلى الأبد أمين.
أوفيميا أى حسنة الصيت