تميز قديسنا العظيم البابا شنوده بمحبته للكنيسة بإخلاص باعتبار أن الكنيسة هي "كَنِيسَةُ اللهِ الْحَيِّ، عَمُودُ الْحَقِّ وَقَاعِدَتُهُ" (1تي3: 15).
? ومن أهم معالم هذا الحب حرصه العظيم على سلامة التعليم الكنسي من خلال الصفات التالية:
(1) لم ينقطع قداسته عن التعليم حتى النفس الأخير.
(2) كان الكتاب المقدس هو مصدره الرئيسي للتعليم، فما كان يتكلّم إلاَّ بالآيات المقدسة، ولكل فكرة يقولها كان يمتلك عدة شواهد، وكأنه يقول مع المرتل: "خَبَأْتُ كَلاَمَكَ فِي قَلْبِي لِكَيْلاَ أُخْطِئَ إِلَيْكَ" (مز119: 11).
(3) كان يُؤمن بفكرة (الكتاب كله) وليس الاعتماد على الآية الواحدة، لأن "كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ" (2تي3: 16) .. وكان شديد التحذير لكل مُعلِّمي الكنيسة ألاَّ ينجرفوا وراء الآية الواحدة، بل أن يدرسوا الموضوع كله من كل الأسفار المقدسة.
(4) كان حريصًا ألاَّ يزرع أحد فكره الخاص ويبرره بالآيات، بل كان دائمًا يعلِّمنا أن نكون مُخلصين للفكر الإلهي وليس لأفكارنا الخاصة، وكأنه يردد مع مُعلمنا بولس الرسول: "لأَنَّ وَعْظَنَا لَيْسَ عَنْ ضَلاَل، وَلاَ عَنْ دَنَسٍ، وَلاَ بِمَكْرٍ" (1تس2: 3).
(5) كان يهتم جدًّا بنقاوة التعليم، عملاً بالنصيحة الكتابية "مُقَدِّمًا نَفْسَكَ فِي كُلِّ شَيْءٍ قُدْوَةً لِلأَعْمَالِ الْحَسَنَةِ، وَمُقَدِّمًا فِي التَّعْلِيمِ نَقَاوَةً، وَوَقَارًا، وَإِخْلاَصًا" (تي2: 7).
(6) كان آبائيًا في فهم الآيات المُقدسة، مرددًا دائمًا قول النشيد: "إِنْ لَمْ تَعْرِفِي أَيَّتُهَا الْجَمِيلَةُ بَيْنَ النِّسَاءِ، فَاخْرُجِي عَلَى آثَارِ الْغَنَمِ، وَارْعَيْ جِدَاءَكِ عِنْدَ مَسَاكِنِ الرُّعَاةِ" (نش1:
.
(7) كثيرًا ما كان يرجع إلى نصوص الليتورجيا المُقدسة كمرجع معتمد كنسيًا للتعليم السليم.
(
ما كان يتهاون إطلاقًا من جهة العقيدة والإيمان، بل كان يعلِّم المُخطئين وناشري التعليم المنحرف، مُرددًا دائمًا قول الدسقولية (امح الذنب بالتعليم)، وكان يوبخ المناقضين .. "فَلِهذَا السَّبَبِ وَبِّخْهُمْ بِصَرَامَةٍ لِكَيْ يَكُونُوا أَصِحَّاءَ فِي الإِيمَانِ" (تي1: 13)، مع احتفاظه بالمحبة للجميع. ولكنه كان يُؤمن أن المحبة لا تمنع من تنبيه المُخطئ لأخطائه حتى يستفيق لنفسه.
(9) اهتم بالإكليريكيات، وفتح فروعًا عديدة في إيبارشيات كثيرة وفي المهجر .. من أجل نشر التعليم المستقيم المتزن.
(10) وكذلك اهتم بالمعاهد الدينية المتخصصة .. كمعهد الرعاية، ومعهد الدراسات القبطية متعدد الفروع في المعارف الكنسية.
(11) اهتم أن لا يغيب عن اجتماعه الأسبوعي.. الذي كان يعتبره الرئة التي يتنفس بها، ويعرف من خلالها نبض الناس واحتياجاتهم وأسئلتهم واهتماماتهم. وكان هذا الاجتماع هو منبره الرائع في تقديم الغذاء الصحي السليم المتكامل والمتزن لشعبه، الذي كان يتشوق لسماعه من أسبوع لأسبوع.. وكان في ذلك يُنفذ نصيحة القديس بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس: "لاَحِظْ نَفْسَكَ وَالتَّعْلِيمَ وَدَاوِمْ عَلَى ذلِكَ، لأَنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ هذَا، تُخَلِّصُ نَفْسَكَ وَالَّذِينَ يَسْمَعُونَكَ أَيْضًا" (1تي4: 16).
حقًا .. امتاز بابانا الرائع باتزان الفكر، ولم يسمح بالشطحات الفكرية التي تستهوي بعض الكتاب والوعاظ ليجتذبوا بها مسامع الناس، حيث يتكلّمون بطرق غير مألوفة وأفكار مثيرة للبلبلة .. لقد اجتذب مسامع الناس، ولكن ليس بهذه الطرق الرخيصة المشتتة بل بالحق والبساطة والاعتدال في كل شيء.
إننا نحسد أنفسنا لأننا عشنا في عصر هذا الرجل النقي والمُعلِّم الطاهر .. ونرجو إلهنا الصالح أن يحفظ إيمان الكنيسة نقيًا غير معيب إلى اليوم الأخير، وأن يقيم لنا راعيًا صالحًا يكمِّل المسيرة المقدسة، التي سار فيها وعلى دربها 117 من الآباء القديسين، ويرعى شعب المسيح رأس الكنيسة بطهارة وبر وعدل .. آمين