وحينئذ فقط يجد الهدوء والسلام ، كمسافر في بحر مضطرب وصل إلي ميناء الأمان ..
في الهدوء يستطيع الإنسان أن يفكر تفكيراً متزناً .
وبالهدوء يمكنه أن يحل مشاكله ، بأعصاب غير مضربة وفكر غير مشوش . في الهدوء يمكنه أن يتعامل مع الناس ويتقبلون منه كلامه . وعلي العموم الشخص الهادئ محبوب من الناس . وما أجمل قول القديس بطرس الرسول
"{ زينة الروح الوديع الهادئ } {1بط4:3}. فالهدوء إذن زينه للروح .
والهدوء وصية مقدسة ، دعانا إليها الكتاب .
فالقديس بولس الرسول يقول { إحرصوا أن تكونوا هادئين }{1تس11:4}. والكتاب يقول إن :{ الهدوء يسكن خطايا عظيمة }{جا4:10}.
وحتي في الحياة العملية ، الشئ الذي يعمل في هدوء يأتي بنتائج أفضل ..
القربان الذي يخبز علي نار هادئه يكون سليماً . بينما الذي يخبزونه علي نار شديدة . يحترق من الخارج ، ويكون الداخل ليناً وكذلك الطعام الذي يسوي علي نار هادئة ، يكون أفضل طعماً وأكثر فائدة . وبالمثل الزراعة التي تروي بطريقة هادئة
وفي التعامل مع الناس ، الطريقة الهادئة أكثر تأثيراً في النفس ، وتأتي بنتائج مقبولة ..
وبعكس ذلك الطرق العنيفة التي تأتي بردود فعل سيئة ولعناً سنتكلم عن فوائد الهدوء بالتفصيل في الفصول المقبلة .
مضار عدم الهدوء
لشخص غير الهادئ نفسياً ، يضع هموم الدنيا كلها فوق رأسه . وتصيبه مشاكل كثيرة .
يقفد سلامة الداخلي ، ويقع في القلق والإضطراب النفسي ، مع ما في كل ذلك من أتعاب .
وقد يقع أيضاً في الكآبة والحزن والإضطراب ..
وقد يصاب نتيجة لذلك بأمراض عديدة : منها تعب أعصابه فقدان الهدوء يسبب توتراً في الأعصاب . وتوتر الأعصاب يفقد الإنسان هدوءه . وكلاهما سبب للآخر ونتيجة .
والإنسان غير الهادي عصبياً ، يضر نفسه صحياً وفكرياً وإجتماعياً .
إنه يفقد شخصيته ، ويفقد إحترام الناس له ..
المدرس الهادي الحازم محترم من تلاميذه . أما الذي يثور علي تلاميذه ويضج ، مهدداً ومتوعداً ، أو شاتماً وموبخاً ، فهذا يفقد إحترامهم له ، وقد يصبح العوبة في أيديهم : متي أرادوا أن يثيره يمكنهم إثارته ..
وكذلك الأم التي تعامل أطفالها بالصراخ والإنتهار والزعيق ، وبالضرب أو التهديد ، وتظن أنها بهذا الأسلوب تربيهم !! هذه تفقد أعصابها ، وايضاً تفقد محبتهم . وتصبح حياتها ضجيجاً مستمراً ، وصراعاً مع الأطفال .
والإنسان غير الهادئ عصبياً ، يفقد سلامه مع الناس .
إنه يغضب عليهم ، فيغضبون عليه وإن فقد هدوءه وثار عليهم ، ما أسهل أن يعاملوه بالمثل ، فيفقد صداقتهم ومحبتهم ، وقد يفقد إحترامهم ايضاً ، ويتعرض لعداوتهم . ويدخل في سوء علاقة مع الناس .
إن فقد هدوءه ، قد يصل إلي الصخب والضوضاء والضجيج . وربما يصل إلي الثورة والعنف . أو في فقدان الهدوء يبدو عليه الإضطراب الخارجي نتيجة لأضرابه الداخلي ، وتبدو تصرفاته غير متزنة .
أقل كلمة تعكره ، وأقل تصرف يثيره ، لأنه غير هادئ .
وقد يكون له رغبة في الإنتقام ، وفي الدفاع عن نفسه ؟ وفي إثبات وجوده ، وفي حماية كرامته ، ثأئراً بغير وصول إلي نتيجة . وهكذا يصطدم مع الأخرين . بينما الهادئ – حتي إذا أثير يرد في هدوء، ويكسب الموقف في هدوء .
غير الهادي يخسر المواقف ، وتمسك عليه أخطاء ..
وربما يكون هو المتعدي عليه ، ولكنه حينما يرد بعنف ويخطئ في الرد ، حينئذ ينقلب الموقف ، ويصبح هو المتعدي وليس المتعدي عليه !!
أما الهادئ : فحتي إن كان مناقشه ثائراً ، فإنه يهدئه .
وكما قال الكتاب :{ الجواب اللين يصرف الغضب }{ أم1:15}. وأيضاً : { كلمات الحكماء تسمع في الهدوء ، أكثر من صراخ المتسلط بين الجهال }{جا17:9}.
وبينما يقع غير الهادئ في خطايا كثيرة ، يقول الكتاب :
} الهدوء يسكن خطايا كثيرة {} جا4:10{.
ويقول أيضاً {هدوء اللسان شجرة حياة }{أم4:15}.إننا لا نستطيع أن نحصي الأضرار والنتائج السيئة التي تحدث من معالجة الأمور بعنف أو بشدة أو بعصبية …وقد يظن غير الهادئ أنه بهذا العنف إنما يعبر عن رجولته وقوة شخصيته !!
بينما العصبية والعنف، لا يدلان إطلاقاً علي رجولة أو علي قوة شخصيته .
ودئماً الهادي هو الشخص الأقوي .. أقوي لأنه إستطاع أن يتحكم في اعصابه وفي ألفاظه . وأقوي لأنه إرتفع فوق مستوي الإثارة فلم تقو عليه .. وايضاً لأنه في هدوءه يمكنه أن يتحكم في الموقف ، وأن يفكر في حل الإشكال بدون إنفعال . ولهذا قال الرسول :{ يجب علينا نحن الأقوياء أن نحتمل ضعفات الضعفاء }{رو1:15}.
ما أعمق عثرة الأبناء من أبوين متشاجرين .
يفقد البيت هدوءه . ويتنافس الأب والأم في عصبية . وربما يتشاتمان ويتشاجران . وكل منهما يريد أن يثبت أنه الأقوي ، وأنه علي حق . وأنه يستطيع أن يرد علي الطرف لآخر بمثلها وبمثل مثلها .. وتكون النتيجة أنهما يخسران إحترام أبنائهما لهما ، بعثرة أو قدرة سيئه توضع أمامهم . كما أن هذين الوالدين يخسران سمعتهما أما الجيران .. فيقولون إنه بيت فقد هدوءه .. !
لعل الصفحات المقبلة ستبين بتفصيل أكثر مضار الهدوء ..
قداسه البابا شنوده الثالت
صلوا من اجلي