meret المدير العام
عدد المساهمات : 984 نقاط : 2873 تاريخ التسجيل : 25/05/2009
| موضوع: الهاربون من الله . مقال البابا 26-7-2009 الجمعة يوليو 31, 2009 10:34 am | |
| الأشخاص الروحيون يسعون إلي الله بكل قلوبهم, ويحاولون القرب منه, شاعرين أنه سبب حياتهم ومصدر قوتهم. وإن بعدوا عنه فترة, سرعان ما يعودون.. علي أن هناك آخرين بالعكس يبعدون عن الله بل يهربون منه. فما هي أسباب ذلك الهروب؟ وكيف يمكن مقاومته؟ وماهي أيضا درجات هذا الهروب؟
من أشهر الهاربين من الله: جماعة الوجوديين. الذين يقول الواحد منهم: إن وجود الله يمنع وجودي! فمن الخير لي أن الله لايوجد, لكي أوجد أنا! ويقصد من عبارة:' لكي أوجد أنا'. أي لكي أتمتع بالوجود حسبما أريد, بعيدا عن الله الذي يمنعني من أمور كثيرة يضيق بها علي فلا يمكنني أن أنال حريتي في أن أفعل ما أريد.هذا الإله يريدني أن أقول له باستمرار:' لتكن مشيئتك'. بينما أنا أريد أن أنفذ مشيئتي الخاصة لكي أذوق طعم الحياة وألتذ بها. فلهذا أنا أهرب منه..
هذا الهارب من الله يقول بصراحة:إنني أهرب من الله حينما يختلف فكري عن فكره.
فأنا أري أحيانا أن الكذب ينجني من مشاكل كثيرة فيستر علي في أخطائي. وبهذا الكذب أصير بريئا في أعين الناس! بينما الله يقول لي لاتكذب. وكذلك يمنعني عن كل خديعة أخدع بها غيري, بينما بهذا الخداع يمكني أن أصل إلي تنفيذ غرضي. وينطبق هذا أيضا في أمور عديدة أري فيها أن فكري غير فكر الله.
فمثلا أري أن الاحتفاظ بكرامتي يدعوني إلي أن أنتقم لنفسي, وأرد علي الإهانة بإهانة, وهذا ما ينهاني الله عنه. فحينئذ يضطرني الأمر إلي الهروب من وصية الله! وبالتالي بالنسبة إلي كثير من وصاياه.. أري أن الهروب منها نافع لي.. ولاشك أن الهروب من وصايا الله هو جزء من الهروب من الله نفسه.واضح أيضا أن الشهوة من أهم أسباب الهروب من الله, إذا كانت شهوة خاطئة, ولايريد الإنسان أن يتركها. فلهذا يترك الله بسبب الرغبة في تنفيذ تلك الشهوات. ومثل هذا الخاطئ الذي تبعده شهواته عن الله, يبرر موقفه من هروبه من الله بقوله:' إن صرت مع الله, سأنقسم علي ذاتي.وسأدخل في صراع بين الروح والجسد, وصراع بين الخير والشر! وأنا لا أريد أن أتعب نفسي بهذه الصراعات'.
كثيرون من هذا النوع لايريدون أن يواجهوا الواقع إطلاقا, لأنهم يخافونه. كإنسان مريض بمرض خطير: يهرب من الطبيب ومن الكشف, ومن الأشعة والتحاليل, لكي يستريح! ولو راحة وهمية, هاربا من الواقع لأن الواقع يتعبه.ومن الذين يهربون من الله نوع لايريد أن يتحمل مسئولية خطيئته. ففي حالة الخطية كانوا هاربين من الله. وبعد ارتكابها لايريدون أن يتحملوا مطالب التوبة. فما معني التوبة؟ هل معناها متاعب الندم علي تلك الخطايا, وتبكيت النفس عليها, والتعب الذي يتعبه الضمير.وما أسهل علي الإنسان أن يقول: مالي مالي وكل هذا؟! هل من الواجب علي أن أدخل في عقدة الذنب أم من الأفضل أن أهرب من كل هذا وأستريح. إن التوبة ومطالبها صعبة في نظر هؤلاء, والهروب من تعب الضمير أمر سهل ولطيف ومريح حتي لو كان معناه الهروب إلي خير, ومن الواقع ومن مواجهة النفس.البعض يهربون من الله لأنهم يرون أن طرقه ضيقة بينما البعيدون عن الله مستريحون, يستطيعون أن يفعلوا كل شيء بسهولة غير مقيدين بشيء: فالتساهل في الأخلاقيات يمكن كسب عدد كبير من الأصدقاء.
وبعباراتين من التملق يمكن كسب الرؤساء ويمكن خداعهم, وبشيء من الرياء الخفيف يمكن الحصول علي احترام الناس, وبضربة قاسية ومؤامرة خفية يمكن التخلص من جميع المقاومين.
وبشهادة مرضية مزورة يمكن التغطية علي كل غياب, وبالرشوة والمحسوبية يمكن الوصول لكل غرض. بينما الذين يعيشون مع الله, نغلق أمامهم أبوابا كثيرة.. لذلك يرون أن الهروب من الله أفضل, بل يتطرف البعض ويقولون: إن السير مع الله لم يعد يناسب العصر! ووسائل المتدينين ليست ناجحة.إننا نقول للهاربين من الله:' مهما هربتم من الله, فسوف يبحث عنكم, لكي يردكم إليه'. وكذلك فإن طريق الله وإن كان يحرم الخطايا والآثام إلا أنه ليس كئيبا بالدرجة التي يصورها الشيطان. الذي يتعود حياة البر, كثيرا ما يجد فيها متعة تريح قلبه وضميره وفكره, وتجلب له ثقة من المحيطين به.
وإن كان البعض يقول: كيف أعيش مع الله وأترك كل الخطايا التي أحبها وأجد فيها لذة؟ بينما حياة البر فيها صعوبة؟ نقول: إن هذا قد يكون في بداية الطريق فقط, ولكن إذا نما الإنسان في حياة البر فسوف يجد فيها لذة ومتعة, وتصير سهلة أمامه.إن الشيطان قد يصور لك أن طريق الرب صعب عليك لكي تهرب منه! ولكن هذه خدعة. فحتي إن كانت بعض وصايا الرب صعبة في تنفيذها, فإن الله يعطي معونة بنعمته, ويصير الصعب سهلا.
نقول أيضا للهاربين من الله: اهتموا بمصيركم الأبدي, لأنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟! إنك مهما هربت من الله, فلن تستطيع أن تهرب من يوم الحساب.
لذلك في كل خطاياكم لاتنظروا إلي الله باعتباره القوة المانعة التي تمنع من ارتكاب خطايا معينة, بل انظروا إليه باعتباره القوة المانحة التي تمنح كل موهبة وكل قوة. (نقلاً عن جريدة الأهرام بتاريخ الأحد 26/7/2009) | |
|