مِنْ رِسالة مُعلّمِنا بولس الرسول إِلَى أهل أفسُس بركاته على جميعِنا آمين
. [ فإِنَّ
مُصارعتنا ليست مَعَ دمٍ وَلحمٍ ، بل مَعَ الرُّؤساء ، مَعَ السَّلاطين ،
مَعَ وُلاة العالم على ظُلمة هذا الدَّهر ، مَعَ أجناد الشَّرِّ
الرُّوحيَّة فِى السَّماويَّات 0مِنْ أجل ذلِك إِحمِلوا سِلاح الله الكامِل
لِكى تقدِروا أنْ تُقاوِمُوا فِى اليوم الشِّرِّير ، وَبعد أنْ تُتمِّمُوا
كُلَّ شىءٍ أنْ تثبُتُوا 0 فأثبُتُوا مُمنطِقين أحقاءكُمْ بالحقِّ ،
وَلاَبسين دِرع البِرِّ ، وَحاذين أرْجُلكُمْ بإِستعداد إِنجيل السَّلام0
حامِلين فوق الكُلِّ تُرْسَ الإِيمانِ ، الّذى بِهِ تقدِرون أنْ تُطفِئوا
جميع سِهام الشِّرِّير المُلتهِبة0 وَخُذوا خُوذة الخلاص ، وَسيف الرُّوح
الّذى هُو كلِمةُ الله0 مُصلِّين بِكُلِّ صلوةٍ وَطِلبةٍ كُلِّ وَقْتٍ فِى
الرُّوح ، وَساهِرين لِهذا بِعينِهِ بِكُلِّ مُواظبةٍ وَطِلبةٍ ، لأِجْلِ
جميع القدِّيسين 0] ( أف 6 : 12 – 18 ) 0
. لِكى
نصِل إِلَى حياة الصلاة المُثمِرة يلزمنا أنْ لاَ ننتظِر البركات تهبِط
علينا فجأة ، بل نحنُ نأخُذ طريقنا إِليّها بخطوات بطيئة وَلكِن ثابِتة ،
يلزمنا جِهاد مُنظّم طويل ، وَيلزمنا صبر وَتغصُّب0
. يكفينا
أنْ نتقدّم ، مهما كان هذا التقدُم بطيئاً ، وَمهما كانت حلكة الظلام
التّى تُحيط بِنا وَبِإِيماننا !! وَأنّ مُجرّد تقدُمنا فِى حياة الصلاة
وَالعِشرة مَعَ الله لهُو دليل أكيد أنّنا واصِلون ، وَأنّ النّور لابُد أن
يظهر وَإِنْ إِحتجب عنّا طويلاً ، وَحينئِذٍ يظهر تعب جِهادنا وَشدّة
إِيماننا وَصبرِنا 0
. أمّا
تغّصُبنا فِى جِهادنا وَعرقنا وَدموعنا وَمُغالبتنا مَعَ شِكوكنا ،
وَسيّرنا بالرغم مِنْ الظُلمة التّى تُحيط بِكُلّ شىء فينا ، فهو وَإِنْ
ظهر بِمظهر الضعف فِى أعيُننا إِلاّ إِنّهُ فِى عينّى الله غالِى القيمة [ طوبى للّذين آمنوا وَلَمْ يروا ] ، [ لأنّ الله ليس بِظالِم حتّى ينسى عملكُم وَتعب المحبّة التّى أظهرتموها نحو إِسمِهِ ] ( عب 6 : 10 ) 0
. معنى الجِهاد وَالتغّصُب القانونِى السوِى الّذى يقود إِلَى المسيح وَالحياة الأبدية
وَهُو أنْ تتجِه إِرادة الجِهاد نحو التسليم المُطلق لله ، وَيتجِه تغّصُب
الإِرادة إِلَى إِتضاع النَفْسَ لتدبير النعمِة مهما كانت الظروف ،
بإِيمان لاَ يكِل ، حتّى لاَ يتبّقى للنَفْسَ مشيئة خاصة وَ لاَ شهوة خاصة
إِلاّ أنْ تكون فقط مُطيعة دائِماً لصوت الله وَوصاياه 0
. وَهُنا
ينبغِى أنْ نحترِس مَعَ إِنحراف الذات أثناء حرارِة العِبادة ، حينما تبدأ
علامات النجاح وَما يتبعها مِنْ فرح وَسرور ، لأنّ الذات تميل فِى هذِهِ
اللحظات أنْ تستزيد مِنْ النّجاح وَتستزيد مِنْ السرور ، فتلجأ إِلَى الجهد
الذاتِى لِتستحدِث بِهِ مزيداً مِنْ النّجاح وَالفرح ، وَهُنا النُقطة
الحرِجة التّى عِندها يتحّول الجِهاد وَالتّغصُب مِنْ سيرة القانونِى
السوِى إِلَى جِهاد ذاتِى مقلوب ، وَتغّصُب لِحساب نمو القُدرات الشخصيّة 0
. إِذن
فالإِجتهاد وَالتغّصُب لاَ ينبغِى أنْ يكون لهُما حافِز على الإِطلاق سوى
محبِة الله فِى شخص يسوع المسيح مِنْ كُلّ القلب ، وَالتعبير عَنَ هذا
الحُب ليس إِلاّ بقسر الذات على طاعِة الوصيّة مهما كان الثمن باهِظاً ،
وَإِلزام الإِرادة وَالنيّة للتسليم بتدبير الله مهما كانت النتائِج غير
مُسرّة للنّفْسَ ، أمّا الهدف الّذى يلزم أنْ نضعه أمامنا بالنسبة للجِهاد
وَالتغّصُب فهو الخضوع الكامِل لله وَالتسليم المُطلق لمسرِّة مشيئتةُ 0
. أولاً : إِحترِس
مِنْ توّتُر الإِرادة لأنّهُ عتيد أنْ يُلقيك فِى دوّامِة جِهاد ذاتِى ،
فحينما تنشط الإِرادة وَ تتحمّس أُربُطها فِى الحال بِطاعِة المسيح حتّى
لاَ تعمل شيئاً مِنْ ذاتك 0
. ثانياً : أُرفُض كُلّ إِحساس بمسئوليتك عَنَ النّجاح وَالفشل ، وَحوِّله فِى الحال إِلَى إِحساس بمسئوليِة مُتابعِة العمل فقط 0
. ثالِثاً : لاَ
تتطلّع إِلَى ضرورِة الحصول على معونة خارِجيّة مِنْ القوّات غير المنظورة
، لأنّ المسيح لَمْ يجعلك فِى نقص مِنْ شىء ، وَقَدْ تكفّل لك بِكُلّ
لوازِم المسير ، إِذن فأكتفِى بِقوّة المسيح التّى معك ، وَجاهِد على
أساسها ، فإِذا أتتك معونات وَتعزّيات مِنْ فوق فأفرح بِها وَأبتهِج ،
وَلكِن لاَ تجعلها أساس جِهادك لئلاّ تُبطِل مسيرك وَيتعطّل 0
. رابِعاً : الإِجتِهاد
وَالتغّصُب الّذى تعيشه ليس مِنْ أجل حصول شىء لذاتك أو لتقوية إِرادتك
وَعزيمتك ، أوْ لِمواجهة عدوّك ، بل هُو فِى الحقيقة لِتتخلّى عَنَ ذاتك ،
وَتُسلِّم إِرادتك ، وَ لاَ تعتمِد على عزيمتك ، وَتختفِى خلف المسيح مِنْ
مواجهة عدّوك 0
. خامِسا :ً بقدر
ما ستعتمِد على إِرادتك ، بقدر ما سيضعُف إِحساسك بِمعونة الله ، وَبقدر
ما تقتصِر فِى جِهادك على تسليم إِرادتك فِى هدوء الخُضوع وَعِناد
المُثابرة وَالتغّصُب لقبول كُلّ تدبيرات الله ، بقدر ما تحِس بيقين عمل
الله وَعنايتهُ وَتدبيره لحياتك 0
. سادِساً : لاَ
توقِف إِجتهادك وَتغّصُبك فِى طاعِة وصايا الله مهما كان فشلك ، وَمهما
كانت تجارُبك ، لأنّ خلف نَفْسَك المهزومة يقِف المسيح وَفِى يديهِ إِكليل
الجِهاد ، فأنت غير مسئول عَنَ النّجاح ، بل مسئول عَنَ الجِهاد 0
. سابِعاً : الجِهاد
الّذى نُجاهِده وَالتغّصُب الّذى نُمارِسه إِذا مارسناه بِصِحّة فهو قطعاً
يُبعِدنا عَنَ ذواتنا ، وَيفصِلنا عَنَ حياة الخطيئة وَالعصيان 0
. وَالحقيقة
التّى لاَ ينبغِى أنْ تغيب عَنَ أذهانِنا ، هى أنّ الإِنسان الّذى يعتمِد
على ذاته وَإِرادتهُ فِى جِهاده لاَ يكتشِف أنّ جِهاده ذاتِى وَ لاَ يحِس
أنّ إِعتماده لاَ يستنِد على الله ، فيمضِى فِى مسيره مُتعلِّقاً بِنَفْسَه
مُتخبِّطاً ، يقوم مِنْ حُفرة لِيسقُط فِى أُخرى ، يلغِى نَفْسَه وَيلوم
مشيئتةُ وَيحزن وَيكتئِب نَفْسَياً ، وَهُو لاَ يزال يعتقِد أنّهُ يستنِد
على الله وَأنّهُ يثِق بِهِ وحدهُ 0
. فالحقيقة
عكس ذلِك تماماً ، فالمسير فِى حياة تسليم الإِرادة لله لاَ يكون فيِهِ
لوم للإِرادة كأنّها هى المسئولة عَنَ السقوط وَالتعثُّر ، فالسقوط
وَالعثرات لاَ تنشأ عَنَ ضعف الإِرادة بل تنشأ عَنَ قوّتِها وَ تداخُلِها
وَنشاطِها وَتعاليها على النعمة 0
. إذاً
فإِنْ كُنّا نُريد أنْ نتحاشى العثرات وَالخطايا وَالسقطات ، فعلينا أنْ
نخضع إِرادتنا وَنُسلّمها لله بِكُلّ عزم تسليماً نهائياً ، وَهذا يتِم
بتغليب صوت الله على صوت الذات ، وَإِلزام الإِرادة بتكميل وصيّة الله مهما
كانت الخِسارة أوْ الإِهانة ، وَإِلزامها بالخضوع وَإِحتمال التعب
وَالمشقّة وَالوقوف وَالسهر لطاعِة كُلّ تعليمات الآباء وَتدبيرهُم ، حتّى
تخضع الإِرادة وَينكسِر سُلطانِها لسُلطان الروح القُدس ، وَتبدأ تختفِى
وراء النعمة ، وَحينئِذٍ ينجح الإِنسان 0
. علماً
بأنّ الأحزان المُفرِطة التّى يستسلِم لها الإِنسان عِند سقوطه فِى خطيّة
أو عثرة ما هى إِلاّ علامة على الكبرياء وَتوقير الذات وَالظُنون بالإِرادة
فوق ما تستحِق ، ممّا يجعل على الإِنسان يستكثِر على نَفْسَه السقوط ،
وَيظِل يتلّمس العزاء وَالراحة فِى تشجيعات كاذِبة مِنْ النّاس وَأب
الإِعتراف لِيُضّمِد بِها كبرياء نَفْسَه المجروحة 0
. أمّ
الموقِف الصحيح إِزاء سقوط الإِنسان فِى أىّ خطيّة فهو الإِعتراف بالخطيئة
، الإِلتِجاء فِى الحال إِلَى التوبة ، مواصلة الجِهاد بِتغّصُب لِمُتابعة
تسليم وَمُمارسة إِتضاع النَفْسَ لله 0
+
فِى بدء حياة العِبادة ، تكون الصلاة أمراً ثقيلاً على الجسد وَالعقل ،
وَإِنْ تُرِكا لذاتيهِما لِما تقدّمنا للصلاة قط ، لِذا وجب أنْ نُغصِب
ذواتنا حتّى تصير الصلاة جُزءاً هاماً مِنْ حياتنا لاَ نستطيع أنْ نُهمِله أو نستغنى عنهُ 0
+
يقول النّاس إِذا كُنت لاَ تشعُر بميل إِلَى الصلاة ، فالأحسن أنْ لاَ
تُصلّى ، هذا إِحتيال وَسفسطة جسدانيّة ، لأنّك إِذا كُنت ستُصلّى فقط
حينما يكون لك ميل للصلاة ، فأنت لن تُصلّى قط ، لأنّ ميل الجسد الطبيعِى
هُو ضد الصلاة [ فإِنِّى عالِم أنّهُ ليس ساكِن فىّ أىّ فِى جسدِى شىءً صالِح ] ( رو 7 : 18 ) ، وَ معروف أنّ [ الجسد يشتهِى ضد الرّوح ] ، وَ [ ملكوت الله كُلّ واحِد يغتصِب نَفْسَه إِليه ] ( لو 16:16 ) ، فأنت لن تستطيع أنْ تعمل لِخلاص نَفْسَك إِذا لَمْ تغصِب ذاتك 0
+
الصلاة التّى تكون لأداء الواجِب فقط خوفاً مِنْ النّاس تولِّد النِفاق
وَالرياء ، وَتجعل الإِنسان عاجِزاً عَنَ أىّ خِدمة تحتاج إِلَى تأمُلّ
روحِى ، وَتجعلهُ كسلاناً مُتباطِئاً فِى كُلّ شىء حتّى فِى تتميم واجِباته
الجسديّة ، لِذلِك وجب على الّذين يُمارِسون مِثل هذِهِ العِبادة أنْ
يُصّححوا صلواتهُم وَيجعلونها بفرح وَهِمّة وَنشاط مِنْ كُلّ القلب ، فَلاَ
نُصلّى للرّبّ فقط حينما نكون مُجبرين على ذلِك بحُكم طقس العِبادة أوْ
القوانين المُرتّبة ، بل يجِب أنْ نكون [ غير مُتكاسلين فِى الإِجتهاد ، حارين فِى الرّوح ، عابِدين الرّبّ ، فرِحين فِى الرجاء ، صابِرين فِى الضيق مواظِبين على الصلاة ] ( رو 12 : 11 ) 0
+ الكسل
هُو الشوك الّذى يخنُق حِنطة الجِهاد ، وَهُو يحرِمنا مِنْ أتعابنا
السالِفة ، وَالكسل فُرصة للشيطان ، يرمِى فيها بذوره السّامة ، الحسد ،
الغيرة ، البُغضة ، الدينونة 0
+
إِغصِب نَفْسَك فِى كُلّ كلِمة مِنْ كلِمات الصلاة لِكى تكون بصحو وَشِدّة
مِنْ عُمق القلب ، فإِذا فرِحت بِصلاتك فأعلم أنّ الله فرِح بِها ،
فكُلّما كان القلب صادِقاً فِى شعوره ، كُلّما صارت الصلاة مُستحِقة القبول
وَالإِستِجابة ، وَالله يُعطيك حسب قلبِك 0
+
إِذا كان جسدك ضعيفاً مُتكاسِلاً ، وَمهما كانت تيّرات النُعاس شديدة ،
وَقَدْ سرت فِى جسدك كُلّه ، وَأخذت ترخِى أعضاءه عُضواً بعد الآخر ، هُنا
وقت الشِهادة ، قُم أُنفُض غُبار الكسل وَأنزع نوم الغفلة ، وَجاهِد
نَفْسَك حتّى تغلِبها ، وَ لاَ تُشفِق عليها ، وَمَنْ أجل حُبّك لله أُرفُض
ذاتك وَأجحدها وَتقدّم للصلاة بِقلبٍ شُجاع وَنَفْسَ حارّة 0
+ القلب الّذى تقسّى بأباطيل العالم وَشهوات الجسد طويلاً ، يلزمهُ جِهاد طويل كذلِك 0
+
الله يفرح بلجاجتنا فِى الصلاة ، أىّ لاَ تكون صلواتنا قصيرة ، لِذلِك
أعطانا مَثَلَ صديق نصف الليل وَالأرملة المُلِحّة ، فَلاَ تمل مِنْ الصلاة
وَجاهِد إِلَى أنْ تبلُغ ما تُريد 0
+
تعلّم كيف تُصلّى وَأغصِب ذاتك على الصلاة ، فِى البداءة سيكون الأمر لديك
شاقّاً ، وَلكِن بعدئِذٍ كُلّما غصبت نَفْسَك صار سهلاً لديك أنْ تُصلّى ،
كُلّ شىء فِى بدايتِهِ يحتاج إِلَى أنْ يغصِب الإِنسان نَفْسَه عليه 0
[ القديس يوحنا كاسيان ]
+
لاَ تتبع راحِة الجسد وَلكِن صلّى ، وَصلّى بجِد وَإِهتمام حتّى وَلو كُنت
طول النّهار تكِد وَتتعب ، لاَ تكُن مُهمِلاً فِى الصلاة المُقدّسة ، بل
إِنتصِب وَقُل صلاتك مِنْ قلبك حتّى نهايتها ، لأنّها واجِب عليك نحو الله [
لاَ أصعد على سرير فِراشِى وَ لاَ أُعطِى لعينىّ نوماً أو لأجفانِى نُعاساً وَ لاَ راحةً لصدغِى إِلَى أنْ أجِد موضِعاً للرّبّ ] ( مز 132 ) ، إِذن فأحترِس أنْ لاَ تتمدّد بِجسدك أمام الله ، وَتزدرِى بالصلاة مِنْ أجل راحِة الجسد 0
+
إِذا كُنت قَدْ رتّبت لنَفْسَك قاعِدة أنْ تقرأ عدداً مِنْ الصلوات قصيرة
كانت أم طويلة فتمِّم قراءتها بأعتناء حتّى أخر كلِمة ، إِقرأ بِكُلّ
إِنتباه وَتيّقُظ ، وَ لاَ تعمل عمل الله بقلبٍ مُنقسِم فيكون نصفهُ أمام
الله وَنصفه الآخر يطوف فِى العالم ، الرّبّ إِله غيور وَلن يسكُت على
خِداعك وَمُخاتلتك وَإِشفاقك على ذاتك وَتقول أنّك تُصلّى وَأنت لاَ تُصلّى
0
وَأعلم
أنّ كُلّ صلاة تُقدّم بِلاَ إِخلاص نيّة تفصِل قلبك عَنَ الله وَتجعله
ضِدك ، وَكُلّ صلاة تُقدِّمها بإِهتمام وَإِشتياق ترفع قلبك نحو الله
فتجعلك قريباً مِنهُ على الدوام ، لأنّهُ ليس شىء يستطيع أنْ يجعل قلبك
قريباً مِنْ الله مِثَلَ العرق وَالدموع 0
+
لِكى تتحرّر مِنْ عبودية الشهوات وَالخطايا وَسُلطة الشياطين ، ضع ملكوت
السموات وَأورُشليم السمائيّة هدفاً لك ، مُستعيناً بإِسم الرّبّ يسوع ،
وَأعلم أنّ هذا الهدف يحتاج إِلَى ثلاثة وَهى : الإِيمان وَ الرّجاء وَ
المحبّة ، وَالمحبّة تكون أعظمهُنّ 0
+
أحياناً تفتقِد النَفْسَ حركة روحانيّة حادّة تتذّوق فِيها الله بِحرارة
وَتشتعِل بِحُب الأشياء الإِلهيّة ، ثُمّ تعود تفتقِدها فتجِدها بردت
وَجفّت مِنها ، لأنّ التشويش الحادِث مِنْ خُلطة النّاس قَدْ أصابك فِى
موضعٍ ما ، أوْ لأنّك قَدْ فضّلت بعض الأعمال الجسديّة وَقدّمتها على
خدمِتك الرّوحيّة 0
إِلاّ
أنّهُ فِى أىّ حال أنّ الدموع وَقرع الرأس على الأرض أثناء الصلاة
وَإِنسحاق النَفْسَ ، تُسرِع مرّة أُخرى بإِنسياب تيار الحرارة الرّوحيّة
الحلو الدافىء مِنْ القلب ، وَفِى شغف الفرح الرّوحِى الممدوح يطير القلب
وراء الله هاتِفاً [ عطِشت نَفْسَى إِلَى الله إِلَى الإِله الحىّ ، متى أجىء وَأتراءى قُدّام الله ] ( مز 42 ) 0
( القديس مارِأفرآم السُريانِى )
+
الإِنسان الّذى يرغب أنْ يأتِى إِلَى الرّبّ وَيوجد مُستحِقاً للحياة
الأبدية ، عليهِ أنْ يُداوِم بإِستمرار على الصلاة ، وَيغصِب ذاته على
الإِتضاع ، واضِعاً فِى نَفْسَه أنّهُ أقل وَأحقر النّاس جميعاً ، وَكُلّ
ما يغصِب نَفْسَه لأجله وَيعمله وَهُو مُتألِّم بقلب نافِر غير راضِى ، سوف
يأتِى عليه يومً يعملهُ بِرضى وَقبول ، وَحينما يرى الرّبّ نيّة الإِنسان
وَإِجتهاده يتحنّن الرّبّ عليه وَيُظهِر لهُ رحمتهُ ، وَيُخلِّصه مِنْ
أعدائه وَمِنْ سُلطان الخطيّة ، وَيملأه مِنْ الرّوح القُدس ، وَحينئِذٍ
يُتمِّم وصايا الرّبّ دون تغّصُب وَإِجتهاد ، لأنّ الرّبّ الساكِن فيه هُو
يكون العامِل فيه ، وَبِذلِك يُثمِر ثِمار الرّوح بِطهارة 0
( الأنبا مكاريوس الكبير )
+
لاَ وسيلة لرفع الملل وَالضجر وَ الحُزن المُفسِد إِلاّ بالإِنقطاع عَنَ
الكلام البطّال وَالمزاح وَمُضاعفة الصلاة وَالإِنهماك فِى العمل الموكول
إِلينا ، وَعدم التنّقُل مِنْ مكان إِلَى مكان 0
( القديس يوحنا كاسيان )
+
بالإِيمان ينال الإِنسان نعمة ، وَيكون أهلاً لدخول الملكوت ، إِلاّ أنّهُ
مِنْ الناحية الأُخرى عليهِ أنْ يُحافِظ على روح النعمة وَيكون موافِقاً
لهُ فِى كُلّ أعمالهِ ، فَلاَ يأتِى عملاً رديّاً أوْ يُهمِل عملاً مِنْ
أعمال الله ، فإِذا داوم على ذلِك وَلَمْ يُحزِن الرّوح داخِلهُ بعمل ما
يوافِقهُ ، يُمكِن عملياً مِنْ الدخول إِلَى ملكوت السموات 0
+
أحياناً يقوى علينا جانِب الشر ( بِسماح مِنْ الله ) وَتثِب علينا الأفكار
الشرّيرة بِشِدّة ، وَفِى أُخرى تكون ثِقة الإِنسان وَعزمه أكثر مِنْ
قائِد مُنتصِر يستمِد العون وَالنجاة مِنْ الله ، وَيُقاوِم الشرّ بِقوّة ،
وَهكذا يسمح الله أنْ نكون فِى ناحية مغلوبين ، وَفِى أُخرى غالِبين ،
حيناً ضُعفاء وَحيناً نتقدّم إِلَى الله بغيرة وَحرارة مُلتهِبة ،
وَالشيطان يعلم ذلِك وَ لاَ يتجاسر أنْ يقترِب مِنْ الإِنسان فِى هذِهِ
الأوقات لأنّهُ يعلم أنّهُ لاَ يقوى عليه ، وَ لِماذا ؟ لأنّ الإِرادة تكون
حاضِرة عِنده مُشدّدة بالنعمة ، وَقَدْ تكاثرت عِنده بسبب ذلِك قوّة
الإِيمان وَالحُب 0
+
الرّبّ يعمل مَعَ الإِنسان فِى أرض النَفْسَ ، أمّا الأشواك التّى
يُبذِرها الشرّير فهى تنمو ، وَ لكِن حينما تكثُر النعمة تذويها وَتلفحها
شمس البِر 0
+
المواهِب التّى يمنحها الله لنا تكون بِمثابِة وسائِل لتقوية إِيمان
الآخرين ، فكُلّ إِجتهاد وَكُلّ بلوغ لَمْ يكمُل وَيُكلّل بعد رباط الحُب
يبقى مُعرّضاً للخوف وَالحرب وَالسقوط وَالزوال ، وَإِذا لَمْ يأخُذ صاحِبهُ الحذر البالِغ فإِنّ الشيطان يُباغِتهُ وَيُصرِعهُ 0
( القديس مكاريوس الكبير )
+
قبل كُلّ شىء إِعلم أنّهُ لن يُتّوج أحد إِذا لَمْ يُجاهِد قانونياً ، كما
قال بولس الرسول ، وَكُل واحِد لاَ يُجاهِد حسب ناموس السيرة التّى
إِختارها لِنَفْسَه فإِنّهُ لن يُتّوج ، فينبغِى لِمَنْ تقدّم إِلَى الطريق
الروحانِى أنْ يغصِب نَفْسَه فِى كُلّ تدبير يُقدِّمهُ إِلَى الله ، إِنْ
كان صوماً أو صلاة أو بقيّة الفضائِل 0
+
إِذا كُنت تسأل إِلَى أىّ حد أغصِب ذاتِى ، أقول لك إِلَى حد الموت إِغصِب
نَفْسَكَ مِنْ أجل الله ، إِغصِب نَفْسَكَ على الصلاة قبل مواعيدها لِتخِف
عليك 0
+
إِحذر أنْ تُبطِل شيئاً مِنْ خِدمة الأوقات ( أىّ سبع الصلوات التّى
بالأجبية ) ، إِتعِب جسدك بالصلاة حتّى تؤهّل لِحفظ الملائِكة ، وَحتّى
يتقدّس سريرك مِنْ عرق الصلاة ، وَبِغير تعب فِى الصلاة لاَ تنم 0
+
صدّقنِى ياأخِى أنّ الملل وَالضجر وَثِقل الأعضاء وَالتكدُر وَتعب الفِكر
وَبقيّة أسباب الحُزن التّى يسوقها عدو الخير على الإِنسان ، تُحسب لهُم
عملاً إِلهياً ، وَلو يبقى الإِنسان مضغوطاً بِها فيصبِر وَيحتمِل وَ لاَ
يخضع لها ، تُحسب لهُ ذبيحة نقيّة وَعملاً إِلهياً ، ما خلا فِكر العظمة
وَالكبرياء 0
+
التجارُب التّى أمرنا الرّبّ أنْ نطلُب عدم الدخول فيها هى التجارُب
النَفْسَية التّى تؤول بِنا إِلَى الفشل وَتُبعِدنا عَنَ الخلاص ، أمّا
تجارُب الجسد فعلينا أنْ نستعِد لقبولها بالشُكر لأنّها توّصلنا إِلَى الله
0
+ مُحِبّو الراحة لاَ يحِل فيهُم روح الله ، بل الشيطان 0
+
أمّا إِنْ كُنت تتعب فِى سهرك مِنْ الوقوف وَيُوسّوِس الشيطان إِليك أنّهُ
ما يبقى فيك قوّة ، وَيوحِى إِليك بالنوم ، فقُل لهُ أنا أجلِس وَأُكمِل
سهرِى وَلستُ أنام 0
+ إِنّهُ أليق لنا أنْ نموت فِى الجِهاد ، مِنْ أنْ نحيا فِى السقوط 0
+
لاَ تقُل إِنِّى جاهدت وَمللت ، فرُبّما فِى أخر لحظة تهزِم عدوك وَتأخُذ
إِكليلك وَتعبُر فِى أرض الشقاء إِلَى الراحة الأبديّة ، وَرُبّما يكون
ذلِك بِكلِمة تقولها فِى موضعِها ، أو بِفكر مُنسحِق تُقدِّمهُ ، أو بشُكر
على ضيقة تحِل عليك ، أُذكُر اللص الّذى دخل ملكوت الله مَعَ مُخلّصنا بسبب
فِكرة إِيمانيّة ملأت نَفْسَه فِى أخر ساعة مِنْ ساعات حياته 0
+
إِذا هبط علينا روح الإِهمال وَبردت حرارتنا ، نجلِس بيننا وَبين
أنَفْسَنَا وَنجمع أفكارنا ، وَنُميِّز بِدقّة ما هُو سبب الإِهمال ،
وَمِنْ أين بدأ ، وَ ماهُو الّذى يُبطِلك مِنْ الصلاة وَالعِبادة ؟
إِبحث00وَإِذا عرفت داءك فَلاَ تتوان عَنَ تقويمه وَقطعه ، مُركِّزاً كُلّ
عِبادتك وَصلاتك مِنْ أجله0
+
إِذا تعرّقلت حياتك الرّوحيّة لأىّ سببٍ كان ، فأبدأ حياتك مِنْ جديد ،
كأول يوم عرفت فيهِ الله ، وَأبدأ جِهادك بِشِدّة وَأنت تصِل سريعاً إِلَى
درجتك الأولى 0
+ الّذين يبدأون جِهادهُم بِعزيمة مُتراخية ، فإِنّ الشيطان يقوى عليهُم ، وَالله لاَ يُعضّدهُم لأنّهُ يقول [ ملعون مَنْ يعمل عمل الرّبّ بِرخاءٍ ] 0
+ أنّ جميع الفضائِل التّى نقتنيها بالتعب ، إِنْ كُنّا نتهاون فِى عملِها تضيع قليلاً قليلاً 0
( القديس مارِإِسحق السُريانِى )
+
الملل عدو الصلاة ، إِذا وقفت يُصارِعك لِتجلِس ، وَإِذا جلست يُصارِعك
لِتتكىء ، وَإِذا إِتكأت يُصارِعك لِتنام ، أمّا ثمرِة الملل المُرّة فهو
التنقُلّ مِنْ مكانٍ إِلَى مكان ، وَعصيان أوامِر الرؤساء وَالآباء 0
( القديس يوحنا الدرجِى )
+
إِسهر بغير ضجر ، لأنّ الله يُحِب سهراً بِفرح ، وَكُلّ ما يكون بِفرح
فلهُ ثمرُه ، أمّا العمل الّذى بالضجر ما يكون لهُ أجر بل دينونة 0
( القديس يوحنا ذهبىّ الفم )
+
مَنْ تكاسل عَنَ الأمور الصغيرة ، لاَ تثِق بِهِ فِى الأمور الكبيرة ، وَ
لاَ يُثقلّ عليك أنْ تموت مِنْ أجل الأمور التّى تحيا بِسببِها 0
( القديس باسيليوس الكبير )