meret المدير العام
عدد المساهمات : 984 نقاط : 2873 تاريخ التسجيل : 25/05/2009
| موضوع: النمو الروحي وعوائقه الخميس يوليو 26, 2012 8:14 am | |
| ان طبيعة الإنسان تساعده علي النمو, فالذي يحب المعرفة, يريد ان ينمو فيها, والذي يحب المال, يريد أيضا أن ينميه, وكذلك من يحب السياسة, ومن يحب الشهرة, ومن يحب الفن, كل من هؤلاء يريد أن ينمو فيما يحب.
كذلك من يحب الفضيلة والبر يحب باستمرار ان ينمو من حياة التوبة, إلي نقاوة القلب إلي القداسة, إلي الكمال النسبي والذي يستطيعه بناء علي عمل النعمة معه.
ولكن الذي يسير في طريق النمو الروحي لابد ان تقابله عوائق لعل أولها حسد الشياطين, والشياطين يحسدون كل الذين يتقدمون في حياة البر, لأنهم فقدوا هذه الحياة, وهكذا يقول الحكيم يشوع ابن سيراخ:
"يا ابني إذا تقدمت لخدمة ربك, فهيئ نفسك لجميع التجارب"، ونص الآية هو: "يا بني ان اقبلت لخدمة الرب الاله فاثبت على البر والتقوى واعدد نفسك للتجربة" (سفر يشوع بن سيراخ 2: 1). الذي ينمو في روحياته, قد تشتد عليه الحروب الروحية, فيقاومها بكل ما يملك من جهد, وبكل عمل النعمة فيه, فإما ان ينتصر ويستمر في نموه, أو يضعف أمام الحروب الروحية ولا يستطيع أن يتقدم أكثر في نموه.
لذلك ان تعرضت للحروب الروحية, فلا تتضايق, أنها من طبيعة الطريق الروحي ومن طبيعة الشياطين, ولكن قاوم بقدر ما تستطيع, وفي كل درجة جديدة تصعدها في السلم الروحي, توقع محاربة لإيقافك, واستعد, ان الشيطان يخاف من نموك, فيقاوم ذلك, ولكن محاربة الشيطان هي مجرد محاولة منه, أما أنت فكن صامدًا وقويًا.
والشيطان لا يحارب وحده, إنما له أعوان من البشر قد يحيط بك البعض منهم, هؤلاء يكونون من البيئة المحيطة بك لذلك تخير أصدقاءك ومعاشريك ومرافقيك في الطريق ربما البعض منهم قد يوقف نموك, بل قد يرجعك إلي الخلف, وكما ان الصديق, الصالح يجذبك معه إلي فوق, وكذلك الصديق الخاطئ يحاول أن يجذبك إلي أسفل ويعطل نموك.
وينطبق هذا الأمر في محيط الأسرة, ان كان أحد الزوجين شريرا, والإنسان البار إذا انتصر حينا علي التأثير الخاطئ فربما إذا ضغطت عليه البيئة يوما فيوما ربما تتعب نفسه البارة ويقف نموه, والزرع الجيد إذا أحاطت به الأشواك ربما تخنقه, لهذا ففي نموك الروحي تذكر قول الشاعر:
متى يبلغ البنيان يوما تمامه اذا كنت تبنيه وغيرك يهدم.
ومما يعطل النمو الروحي الاهتمام بمظهر الفضيلة الخارجي, وليس بجوهرها, كأن يهتم إنسان بالنمو العددي وليس بالنمو الروحي في كل ممارسته الروحية, فيهتم مثلا بكمية الصلوات, وليس بروحانيتها, أو يهتم بمظهرية الصوم من جهة الامتناع عن الطعام, دون أن يهتم بإخضاع الجسد من الداخل وإخضاع الفكر والقلب لوصايا الله, وهكذا يهتم بالشكليات وليس بالعمق, فيتوقف نموه.
ومما يعطل النمو في الروحيات الاكتفاء بمستوي روحي معين, لا يحاول الشخص ان يتقدم بعده, ويظن أن هذا هو المنتهي, أو يحاربه الشيطان بأنه ان حاول التقدم روحيا أكثر من هذا, سيصل إلي لون من التطرف, ونحب أن نقول ان الذي يقف نموه, هو عرضة ان يرجع إلي الوراء, لذلك حاول باستمرار ان تنمو, ولكن بحكمة, وضع أمامك المستويات العليا التي وصل إليها بعض الابرار والقديسين, لكي يحفزك هذا إلي مزيد من الجهاد, وضع أمامك قاعدة مهمة وهي هناك فرق كبير بين النمو والتطرف, والحكمة هي الميزان بينهما.
ومن الأسباب التي تعوق النمو الروحي: الإرشاد الخاطئ وذلك ان كان المرشد الروحي غير متمرس في الروحيات, أو كان له غرض خاص, فهناك مثلا مرشدون يقودون من يسترشد بهم إلي الحرفية في تنفيذ الوصايا, وعن مثل هؤلاء قال السيد المسيح:
أعمي يقود أعمي كلاهما يسقطان في حفرة, ونص الآية هو: "اُتْرُكُوهُمْ. هُمْ عُمْيَانٌ قَادَةُ عُمْيَانٍ. وَإِنْ كَانَ أَعْمَى يَقُودُ أَعْمَى يَسْقُطَانِ كِلاَهُمَا فِي حُفْرَةٍ»." (إنجيل متى 15: 14). لهذا سعيد هو الشخص الذي يكون تحت قيادة حكيمة واعية مختبرة, ولهذا أيضا من الواجب عليك أنك لا تسمع نصيحة كل احد, ولا تطلب إرشاد كل أحد, وكما قال أحد الشعراء:
فخذ العلم علي أربابه واطلب الحكمة عند الحكماء
ومن أسباب عدم النمو التقليد الخاطئ, حيث يلبس إنسان شخصية غيره بلا إفراز, ويقلده في كل شيء بغير حكمة, أو يطبق حرفيا بعض أمثلة ممن وردت سيرتهم في كتب الآباء, وقد يحاول تقليد آخر درجة وصلوا إليها, دون ان يضع في اعتباره الدرجات المتوسطة التي سلك فيها هؤلاء الأبرار حتى وصلوا إلي مستواهم العالي.
ومما يعيق النمو أيضًا, كبرياء الشخص إذا وصل إلي مستوي معين, ويبدأ أن يقارن نفسه بمن هم اقل منه, فيرتفع قلبه, وحينئذ تتخلي عنه النعمة بسبب كبريائه, فإما ان يسقط أو يقف نموه أما الإنسان المتواضع, فإنه مهما ارتفع في الطريق الروحي, لا يسمح لنفسه بأن يرتفع قلبه، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. ولا يقارن نفسه بمن هم اقل منه, بل علي العكس يقارن نفسه بالدرجات العليا التي وصل إليها القديسون, ويري انه لاشيء بالنسبة إليهم, وحينئذ يري الرب اتضاعه, فيعطيه مزيدا من النمو, إننا نخشى من الكبرياء, ليس فقط في إيقافها للنمو الروحي, بل بالأكثر أنها قد تؤدي إلي السقوط. وفي ذلك يقول الكتاب: "قَبْلَ الْكَسْرِ الْكِبْرِيَاءُ، وَقَبْلَ السُّقُوطِ تَشَامُخُ الرُّوحِ" (سفر الأمثال 16: 18). ومن أمثله تأثير الكبرياء في إيقاف النمو, إنسان تفتقده النعمة وترفعه إلي فوق فينسب ارتفاعه إلي مجهوده الشخصي وبره الذاتي, لا إلي عمل الله فيه, ولهذا قد تفارقه النعمة فلا يستطيع ان يتقدم خطوة واحدة.
إن النعمة قد لا تبعد عن الشخص بسبب كبريائه, إنما خوفا عليه من الكبرياء في ابتعاد النعمة عنه, يبدأ ان يشعر بضعفه, فيتضع, وبهذا الاتضاع ترجع إليه النعمة مرة أخرى.
ومن أسباب عدم النمو الفهم الخاطئ لمعني الفضيلة وطريقة استخدامها, فكثير من الأشخاص فشلوا في روحياتهم, لأنهم لم يفهموا الطريق الروحي جيدا, ولم يكن لهم مرشد روحي حكيم, فاعتمدوا علي مجهودهم البشري أكثر من الاعتماد علي الله, بل اعتمدوا أيضًا علي جهلهم فلم يستطيعوا ان ينمو. | |
|