meret المدير العام
عدد المساهمات : 984 نقاط : 2873 تاريخ التسجيل : 25/05/2009
| موضوع: وثائق البابا شنودة فى سنوات المنفى (1) الأحد يوليو 08, 2012 2:12 pm | |
| عبد الله الطحاوى
تطايرت بقع الدم على وجهه. رفع بيده أحد المقاعد المقلوبة بعد أن طال التدافع والفوضى أركان المنصة، وسقط الرئيس السادات صريعًا لرصاص الإسلامبولى ورفاقه. لم ينس الرئيس مبارك هذا المشهد. كان الغضب الشديد يكسو وجهه، كان يعرف سبب هذا العبث الدموى، وما وراء هذه الفوضى العارمة. هل ثمة شرخ نفسى أصاب حوائط مؤسسة الحكم جراء الحادث.؟ لماذا أغلقت مؤسسة الرئاسة أمام رجال الدين، وانقطعت الزيارات الرئاسية للمؤسسات الدينية؟. لم يتردد الرئيس بعد حكمه أن يعكس النهج الساداتى، وأن يعيد تنظيم المجال الدينى فى مصر، تمهيدا لإعادة الرئاسات الدينية لحيزها الطبيعى، ونقل الملف الدينى من درج الرئاسة إلى الأدراج الأمنية. باختصار، لم يقابل الرئيس مبارك عمر التلمسانى بعد الإفراج عنه، ولم يستقبل البابا شنودة بعد خروجه من الدير.
سحب العاصفة تتجمع فى خريف الغضب طلب الرئيس مبارك من المهندس حسب الله الكفراوى وزير الاسكان حينذاك أن يتروى قليلا بعد إلحاح من الكفراوى لإخراج البابا من الدير، ونقل الكفراوى عن الرئيس قوله: هل يمكن أن أترك زعماء مصر والإخوان وأقوم بإخراج البابا؟. دع الأمور تمشى بترتيب. هنا يمكن فهم لماذا ترك البابا شنودة 4 سنوات داخل الدير من يوم 5 سبتمبر 1981، وخرج 5 يناير 1985، أى 40 شهرا كاملة؟. لماذا احتاجت الدولة كل هذه الفترة حتى تعيد ترتيب البيت من الداخل؟ والأكثر أهمية أن البابا فعليا غير من نهجه بعد خروجه من الدير. بطريرك السبعينيات غير الثمانينيات والتسعينيات، لم يعد مواجها، امتنع عن إرسال الكهنة فى مظاهرات كما فعل فى أحداث الخانكة، لم يعد يقرر الصيام الاحتجاجى، لم يعد يكرر الصدام الشامل والامتناع عن إقامة الاحتفالات الدينية واستقبال المهنئين. لم يعد يبدى موقفا صارما من تطبيق الشريعة، ولم تعد تعقد مؤتمرات لرجال دين مثل التى عقدت فى الاسكندرية فى عام 1977 تتحدث عن «أقدم وأعرق سلالة» فى الشعب المصرى، وتكافؤ الفرص وتمثيل المسيحيين فى الهيئات النيابية والتحذير من تطبيق الشريعة على غير المسلمين. قداسته صرح فى حوار مع محمود فوزى بأنهم «يريدون أن يكون البابا ثائرا باستمرار ومثيرا للجو من حوله باستمرار وتكون هذه هى البطولة. طريقة الحرب باستمرار التى يريدها البعض ليست من الحكمة». إنها فكرة المزاوجة ما بين الليونة والمواجهة وأنه لا يمكن أن يكون الحل فى الليونة الدائمة كما أن المواجهة الدائمة لا تصلح، وإنه يجب أن تكون هناك وقفات شد وجذب. ميلاد حنا من رأيه «أن البابا رجل ذكى وتعلم من التجربة وصلح الحركة ورغب فى أن يسترضى الشعب المصرى. وقد استرضاه» والمفكر فهمى هويدى أكد أن البابا غير النهج من التصادم إلى الضغط، وهذا ما دعا كمال زاخر لأن يتساءل: ماذا حدث داخل هذا الدير جعل هذا الرجل يغير من مواقفه، بعد أن كان ينتفض من أجل، خبر سيئ عن احد الأقباط من أقاصى الصعيد. ما الذى جرى؟ بتلك البداية نقرأ خلفيات تلك الوثائق، وهى عبارة عن ملف من الأوراق، تمثل شهادة من شخصيات منوعة دينية ومدنية وسياسية، وهى تعبر عن خلاصة تقدير للموقف الدينى المسيحى فى نهاية عصر الرئيس السادات، ولا يعنى أن كل ما ورد فيها يمثل وجهة نظر شخص بعينه أو مؤسسة بعينها. هى فى النهاية لا تتعدى مجرد أوراق تعكس خلفية تفاوضية لمجموعة من النخب قادت حوارا بين الدولة والبابا شنودة، أثناء أزمة عاصفة، وقفت فيها مصر على أطراف قدميها، ولكنها تعكس الرؤية الجديدة التى انطلقت فيما بعد فى التعامل مع الملف الدينى الإسلامى والمسيحى، وحدود التماس والافتراق بينه وبين الدولة. فهى قراءة أخرى للأحداث تحاول إعادة إنتاج الصورة من خلالها، ورصد لعمق هذا الموقف داخل الدولة، وداخل الكنيسة، والنظر لصدام الثمانينات بوصفه لحظة اضطراب وتخلٍ من الدولة والكنيسة عن التقاليد المرعية على صعيد التعامل والممارسة. وهل استطاعت تلك التقاليد أن تعود مرة أخرى بين الدولة والكنيسة؟ كما تكشف تلك الأوراق حقيقة ما يجرى داخل الكنيسة، فثمة قطاع واسع، كان يراقب من الخارج، ولا يعرف ماذا يدور فى الداخل، كما أنها توضح أن هذا القلق امتد لبقية الطوائف والكنائس الأخرى. كما تؤكد أنه بداخل الكنيسة والأقباط وجهة نظر أخرى تختلف عن وجهة نظر البابا ربما هم أقلية، لكن ثمة تنوعا وتعددا فى التصرف والتقدير المجمع المقدس: وقف الاحتفالات الدينية بسبب حالة الأقباط بسبب وجود البابا شنودة الثالث على رأس الكنيسة المصرية والرئيس الراحل أنور السادات على رأس الدولة المصرية، أخذت المواجهة ما بين الدولة والكنيسة هذا الإيقاع، لم يكن الأشخاص هم سبب القضية أو سبب الظاهرة، ولكن الأشخاص أضفوا على المشهد من طابعهم الخاص وطريقة أدائهم، وخلق هذا نوعا من التصارع فى المواجهة أو المقابلة العلنية، والمقابلة العلنية لم تكن من تقاليد الكنيسة والدولة فى مصر. كانت استراتيجية الحركة لدى البابا شنودة الثالث قائمة على نهج المواجهة المكشوفة والمباشرة، والمقاومة بالأساليب الكنسية الطقسية. أما الرئيس الراحل أنور السادات فكان منهجه الأساسى فى إدارة شئون المجتمع المصرى هو منهج التوازنات واستخدام مكونات المجتمع التى يظهر بينها احتقان من أجل إحداث توازن بينها، وهو ما أدى إلى تعمق هذا الاحتقانات بينها، وبالتالى كل هذه العوامل كانت تمهد لظهور مشهد ما فى نهاية السبعينيات. مع بداية الثمانينيات كانت الأوضاع الدينية قد تفاقمت فى مصر، وكان الصراع بين البابا شنودة يشهد تصعيدا كبيرا، إلى أن قرر البابا والمجمع المقدس إلغاء الاحتفالات بعيد القيامة، حيث نقرأ فى بيان المجمع المقدس بجلسته الأربعاء 26 مارس 1980 الصادر من مكتب وكيل البطريركية القمص مرقس غالى يقول: «بعد أن درس المجمع المقدس حالة الأقباط والشكاوى العديدة التى تقدمت منهم من كل المحافظات بمصر، ومن الطلبة فى المدن الجامعية وخارجها، وما يتعرض له الأقباط من إهانات وشتائم واتهام بالكفر، وألوان من الإثارات واعتداءات على أرواحهم وكنائسهم، وخطف للفتيات المسيحيات، وتحويل البعض عن دينهم بطرق شتى». لذلك «قرر المجمع المقدس إلغاء الاحتفالات الرسمية بعيد القيامة المجيد هذا العام، والاكتفاء بالصلاة فى الكنائس، مع عدم تقبل التهانى بالعيد، وذلك تعبيرا عن الآلام التى يعانيها الأقباط، كما قرر أعضاء المجمع المقدس الاعتكاف فى الأديرة خلال العيد»، وذيل البيان بعبارة «صورة مرسلة لكهنة كنائس القاهرة لتلاوته على الشعب بقداسات جمعة ختام الصوم وأحد الشعانين ويوم الجمعة العظيمة. كما نوه البيان: يلاحظ عدم وضع زينات كهربائية أو خلافه على واجهة الكنائس وعدم تقبل التهانى فى ليلة العيد أو يوم العيد»، ثم توقيع الوكيل. اللجنة الخماسية: لا مساس بكهنوت البابا شنودة الثالث استقبل الأنبا شنودة تشكيل هذه اللجنة بسخرية قائلا للأنبا صموئيل أحد أعضائها: «إن كرسى مارمرقص ليس دكة حتى يُجلس عليها السادات خمسة من الرهبان». وتم التلويح للقمص متى بخلافة البابا، ظنا أنه الزعيم المعارض والمصحح الدينى لعثرات الكنيسة، لكنه رفض وكانت إجابته للسادات: «بأن الشخص الذى سيتم تنصيبه بطريكا بهذه الطريقة هو شخص محروم من قبل أن يجلس على الكرسى، وذلك لأسباب تخص القانون الكنسى الذى يحدد أن خلو المنصب مرتبط إما بالجنون أو الفساد المالى أو الأخلاقى أو الهرطقة». والأب متى هو من اقترح تشكيل لجنة خماسية لإدارة الكنيسة بدلا من البابا شنودة، واشترط ألا يكون متى نفسه من بينها. وكان موقف الكنيسة والأقباط من اللجنة الخماسية منقسما ما بين مؤيد ومعارض ومتهما بالخيانة، وذاعت بيانات ومنشورات، وفى رد على تلك المواقف نقرأ فى أحد البيانات الصادر عن اللجنة باسم المجمع المقدس باعتباره السلطة العليا. وهذا البيان يعتبر وثيقة مهمة تشرح منهج عمل اللجنة الباباوية وموقفها من الصراعات الدائرة بين البابا والدولة، وموقفها من التقاليد الأرثوذكسية. التقى أعضاء المجمع المقدس فى دير الأنبا رويس بالقاهرة يوم الثلاثاء، 22 سبتمبر 1981 بعد القرارات الشهيرة التى أعلنها السادات مساء السبت 5 فى سبتمبر 1981 مؤكدين أن الكنيسة والأقباط جزء من النسيج الوطنى، ومتمسكين بالوحدة والكفاح ضد أى تدخل خارجى. ثم حددت اللجنة موقفها الحازم والمؤيد من السلطة والحكم، مستعينة بالتراث الأرثوذكسى فى دعم هذا الموقف، حيث أوضح البيان أن الكنيسة القبطية بما لديها من تعاليم إنجيلية مقدسة وقوانين كنسية تلتزم بطاعة السلطات الحاكمة أيا كانت عملا بوصية الإنجيل المقدس، «لتخضع كل نفس للسلاطين الفائقة». لأنه ليس سلطان إلا من الله والسلاطين الكائنة هى مرتبة من الله. حتى إن من يقاوم السلطان يقاوم ترتيب الله. والمقاومون سيأخذون لأنفسهم دينونة». ويؤكد البيان أن هذا واضح فى الأدعية التى ترفعها الكنيسة يوميا فى صلواتها الطقسية من أجل رئيس البلاد وأولى الأمر فيها ثم استطرد البيان فى ذكر صلوات الرئيس والجند والمشيرين. ونوه البيان بأنهم يقدرون الظروف التى أملت على الرئيس اتخاذ ما أعلنه من قرارات، من عزل البابا وتشكيل لجنة لإدارة الكنيسة، من أجل الوحدة الوطنية والقضاء على الفتنة الطائفية، ثم حددت اللجنة موقفها الروحى واللاهوتى من كهنوت البابا شنودة الثالث وأنه لا مساس به، ولا بقوانين الكنيسة. وهى حوارات دار بشأنها جدل قانونى بين اللجنة والرئيس السادات بالقصر الجمهورى يوم الثلاثاء 15 سبتمبر 1981 حول سلامة هذا الإجراء. وأكد البيان أنهم مستمرون فى ذكر اسم قداسة البابا شنودة فى كل صلوات الكنيسة الطقسية. البيان الصادر باسم المجمع المقدس أو ما بقى منه يؤكد ثقته فى اللجنة الباباوية المشكلة من أصحاب النيافة: الأنبا مكسيموس، والأنبا غريغوريوس، والأنبا اثناسيوس، والأنبا صموئيل والأنبا يؤانس، ويفوضونهم بالقيام بما هو موكول إليهم من شئون الكنيسة. وبادر بيان المجمع «بتسجيل مشاعر السيد الرئيس (السادات) فى لقائه بالقصر الجمهورى مع اللجنة الباباوية نحو الكنيسة القبطية واهتمامه بها، لكى تتبوأ مكانتها وتقوم برسالتها وكذا نحو الأقباط كجزء حى من نسيج المجتمع المصرى يهم الرئيس. والمجمع من ناحيته يسجل شكره للرئيس على هذه المشاعر الطيبة، وسيعمل جاهدا على تطوير مناهج التربية الكنسية والأنشطة الدينية، حتى تحقق رسالتها فى تكوين المواطن الصالح الذى يسهم فى بناء المجتمع. «وتم توجيه رسالة لأقباط المهجر بضرورة الالتزام بالسلوك المسيحى وإلى الكهنة والشمامسة الالتزام وتأكيدا على جانب المحبة والإخاء». ويلفتون أنظارهم وأنهم مسئولون فى ذلك أمام الرئاسات الكنسية. وأكد البيان أن المجمع المقدس هو وحده صاحب الحق فى التكلم باسم الكنيسة وتقرير ما هو لخيرها «ونناشد الجميع عدم الإصغاء إلى الشائعات الضارة المغرضة وتقدير الموقف الدقيق الذى تجتازه مصر وكنيستنا». ثم شدد البيان على أن المجمع المقدس قرر أن يكون المتحدث الرسمى باسم الكنيسة هما الأنبا صموئيل والأنبا يؤانس، وعلى جميع رجال الكنيسة والشعب ألا يخرجوا عن هذا القرار. وأن يتم ترك الكنيسة تعبر بنفسها عن مشاعرها ومصالحها. ثم صلوا للآباء الأساقفة الذين اضطروا للغياب. مجلس الكهنة: الداخلية تجاهلت الحوادث التى أمعنت فى إيذاء الأقباط بعد بيان ألقاه وزير الداخلية النبوى إسماعيل فى جلسة داخل مجلس الشعب فى يوم 31 مارس 1980 خرج بيان آخر من مكتب وكيل عام البطريركية القمص مرقس غالى، صادر عن مجمع الكهنة ومجالس الكنائس وأراخنة الشعب القبطى بالقاهرة يوم الأربعاء 2 أبريل 1980 للرد على بيان الداخلية. بيان مجمع الكهنة شديد اللهجة، ويلخص حقيقة ما يدور داخل المؤسسة الكنسية تجاه الاحتقانات التى كانت سائدة، حملت سطوره الأولى استنكارا لبيان الداخلية الذى «أغفل الحقائق، وجاء بعيدا عن موضوعيات الأمور والحوادث، التى أمعنت فى إيذاء الأقباط فى إيمانهم، وفى أبدانهم رغم كثرة هذه الحوادث عددا ونوعا». استطرد البيان بشكل أكبر فيما يعتبره متاعب يعانيها الأقباط، ولعل ما يلفت النظر أكثر فى البيان إشارته عن مرور بعض المسلمين على بيوت بعض الأقباط وإرغامهم على التوقيع بالموافقة على الشريعة الإسلامية. ثم تأسف لما دار من نقاشات فى مجلس الشعب بوصفه يعبر عن وجهة نظر واحدة على حد قول البيان، ناعيا عدم قيام المجلس بتشكيل لجنة لتقصى الحقائق على غرار لجنة جمال العطيفى، التى حققت فى أحداث الخانكة فى عام 1972. وقدم البيان جميع دعمه وتأييده «لقرار المجمع المقدس بإلغاء الاحتفالات الرسمية وعدم قبول التهانى بعيد القيامة المجيد هذا العام»، وأشار البيان إلى خشية الهيئة الدينية، التى أصدرت البيان، أن يكون خلف هذه الحوادث تنظيم سري يستهدف مصر، ويجعل من الأقباط مخلب قط من أجل مآربهم. ثم ختم البيان بعد سرد لتفاصيل بعض الأحداث بقوله: «احتملنا الكثير منها بقلوب تحترق لأننا لم نرد أن يحس العدو المشترك أن بجبهتنا الداخلية أى صدع. كما أننا نعلنها واضحة وصريحة، لقد وقفنا وما زلنا خلف السيد الرئيس أنور السادات فى كل خطواته الإيجابية من أجل البناء والرخاء والسلام» مجمع كهنة القاهرة.
تاريخ نشر الخبر : 15/06/2010
| |
|